كتاب أمريكي يسلط الضوء على فجوة الأجور واختيار المرأة بين الأسرة أو الوظيفة
لـ"كلوديا غولدين" الحاصلة على "نوبل 2023"
تختلف النسويات الراديكاليات والليبراليات، كما يعرفهن الفلاسفة، حول مدى أهمية خيارات المرأة التي تتخذها بحرية، ترغب النسوية الليبرالية في أقصى قدر من الاستقلالية للمرأة، وتطالب بحقوق متساوية ووضع حد للتمييز على أساس الجنس.
وترى النسوية الراديكالية في المجتمع قوى أبوية أكبر من أي شخص واحد، والتي تضطهد النساء جزئيا من خلال التأثير على خياراتهن، وأن الاختلافات الاقتصادية بين الجنسين -مثل الفجوة في الأجور بين الجنسين- هي دائما علامة على الظلم.
تلك الرؤية تضمنها كتاب جديد من تأليف كلوديا غولدين من جامعة هارفارد، وهي خبيرة في المرأة والعمل، تحت عنوان "الحياة المهنية والأسرة: رحلة المرأة التي استمرت قرنا من الزمان نحو الإنصاف"، وهو كتاب يتتبع تاريخ العمل والأسرة للنساء المتعلمات في الجامعات، ويشخص ما لا يزال يزعج حياتهن المهنية اليوم.. ويمثل الكتاب دراسة لكل من خيارات النساء الأمريكيات والسياق الذي يتم فيه اتخاذها.
ويذكر أنه في 9 أكتوبر 2023، منحت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم "كلوديا غولدين" جائزة Sveriges Riksbank في العلوم الاقتصادية في ذكرى ألفريد نوبل، والمعروفة على نطاق واسع باسم "جائزة نوبل للاقتصاد".
ويتضمن الكتاب صورة كاريكاتورية للتاريخ رحلة من المنزل إلى مكان العمل، في الواقع، احتوى الجيل الأول من دراسات “غولدين” -المولودات 1878 و1897- على الكثير من النساء العاملات، حيث الحياة المهنية الناجحة تتطلب عادة التخلي عن الأطفال وأحيانا الزواج، من بين أولئك المدرجين في "النساء الأمريكيات البارزات"، وهي مجموعة من السير الذاتية، لم يكن لدى أكثر من ثلاثة من كل عشرة طفل، كما تكتب، وكان الخيار الذي تواجهه المرأة هو "الأسرة أو الوظيفة".
بحلول الجيل الثالث، أولئك الذين ولدوا بين عامي 1924 و1943، كان لدى النساء المتعلمات في الجامعات تجربة حياة أكثر اتساقا: "الأسرة ثم العمل"، حيث عملت المرأة النموذجية بعد التخرج، لكنها سرعان ما تزوجت وأنجبت أطفالا وتسربت من القوى العاملة، عادت بمجرد التحاق أطفالها بالمدرسة، وأتاحت لها الإزالة التدريجية للحواجز التمييزية الرسمية الفرص، لكن غيابها المطول عن العمل يعني أنها لم تكن لديها المهارات والخبرة اللازمة للازدهار في مكان العمل.
فقط من خلال المجموعة الخامسة، التي ولدت بعد عام 1958، تطمح العديد من النساء إلى تحقيق "الوظيفة والأسرة"، وساعد على هذا التحول حبوب منع الحمل، التي ساعدت النساء على تأخير الزواج، وتحسين علاجات الخصوبة، ما ساعدهن على تأخير الإنجاب، والأعراف الاجتماعية الأكثر ليبرالية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من المدى المذهل للتغيير الذي توثقه "غولدين"، لا تزال هناك فجوة واضحة بين الجنسين بالنسبة لهؤلاء النساء، وعلى الأخص في ما يتعلق بالأجور.
تكسب النساء الأمريكيات في المتوسط 20% أقل لكل ساعة عمل، بالنسبة لخريجي الجامعات، فإن الفجوة أكبر، بنسبة 26%.
في هذه المرحلة يصبح الكتاب استفزازيا، واستنادا إلى رزم من الأبحاث، تجادل "غولدين" بأن معظم النساء لم يعدن يعانين من الكثير من التمييز في سوق العمل، بمعنى عدم المساواة في الأجر مقابل الأداء المتساوي، كما يدعي اليسار في كثير من الأحيان.
كما أن الفجوة في الأجور بين الجنسين ليست مدفوعة في المقام الأول باختيار المرأة للمهنة، وهو تفسير يفضله اليمين أحيانا، حتى لو كان توزيع مهن النساء مطابقا لتوزيع الرجال -"إذا كانت النساء هن الطبيبات والرجال هم الممرضات"- فإنها تحسب أن ثلث الفجوة في الأجور على الأكثر سيختفي.
والسبب الأكثر أهمية هو أن النساء يقلصن حياتهن المهنية كجزء من استجابة الأسرة العقلانية لأسواق العمل، والتي تكافئ بسخاء أي شخص، ذكرا كان أم أنثى، على استعداد للاحتفاظ بما تسميه غولدين "وظيفة جشعة".
هذه هي الأدوار، مثل تلك الموجودة في القانون والمحاسبة والمالية، التي تتطلب ساعات طويلة وغير متوقعة.
يحتاج الآباء إلى شخص ما ليكون تحت الطلب في المنزل في حالة مرض الطفل ويحتاج إلى اصطحابه من المدرسة، أو يحتاج إلى التشجيع في حفلة موسيقية أو مباراة كرة قدم، هذا لا يتوافق مع وظيفة جشعة، والتي تتطلب أن تكون متاحا لمطالب اللحظة الأخيرة من العميل أو الرئيس، ولا يمكن لشخص واحد القيام بالأمرين معا.
الاستجابة العقلانية هي أن يتخصص أحد الوالدين في العمل الجشع المربح، وأن يتخصص الآخر -عادة الأم- في إعطاء الأولوية للأطفال، كتبت "غولدين" أن "المساواة بين الزوجين كانت، وستظل، يتم التخلي عنها لزيادة دخل الأسرة".
إن الفجوة في الأجور بين الجنسين الناتجة في المقام الأول عن خيارات الأسر هي مشكلة شائكة لليبراليين الذين يقدرون حرية الاختيار، كما أنها منطقة صعبة بالنسبة للاقتصاديين، الذين غالبا ما يؤكدون "التفضيل المكشوف" لأولئك الذين يدرسونهم، والكفاءة الناتجة عن نتائج السوق.
ووفاء لعضويتها في مدرسة شيكاغو للاقتصاديين ذوي الميول المحافظة، لا تقدم "غولدين" الوصفات الواثقة لتوسيع الحكومة التي كان من الممكن أن تتبع بسهولة تشخيصها المقنع للمشكلة.
تشير بعض أجزاء كتابها إلى أنها تدعم المزيد من الإعانات لرعاية الأطفال، مثل تلك التي اقترحها الرئيس جو بايدن، لكن في حديثها إلى مجلة "الإيكونوميست" كانت أكثر حذرا، مشيرة إلى أنه من بين مقترحات بايدن، ستعطي الأولوية للتحويلات النقدية إلى الآباء (وهي سياسة لا تحاول تغيير خيارات الأسر)، وتقول إن الكتاب يدور حول "ما حدث ولماذا" بدلا من تقديم الحلول.
ومع ذلك، هناك موضوع آخر في الكتاب هو مدى تقدم المرأة نتيجة للتغير التكنولوجي والابتكار، وهل يمكن لقوى مماثلة أن تعطل الجشع؟ بالنسبة لبعض الوظائف، من الصعب رؤية كيف.
لا شيء يمكن أن يمنع العاملين لحسابهم الخاص من قضاء ساعات في أعمالهم، على سبيل المثال، لكن الشركات لديها حافز لجعل الوظائف أقل جشعا، لأن توظيف الأمهات وترقيتهن يعني الاستفادة من مجموعة أكبر من المواهب.
وتشير "غولدين" إلى الصيدلة كمثال على الصناعة التي حققت هذا التحول، اعتاد العديد من الصيادلة أن يعملوا لحسابهم الخاص، حيث يتوقع العملاء خدمة شخصية، لكن أجهزة الكمبيوتر والدمج أدت إلى أن يصبح الصيادلة أكثر قابلية للاستبدال لبعضهم البعض، ما يجعل الوظيفة أقل جشعا دون فقدان المكانة أو الأجر.
وبحسب الكتاب ربما سيفعل العمل عن بعد أو الذكاء الاصطناعي الشيء نفسه بالنسبة للمهن الأخرى.